, , ,

التداعيات العالمية التي ستحصل مع بداية تناقص إنتاج البترول العالمي

الأربعاء, أكتوبر 31, 2012, مرسلة بواسطة Unknown

إنه مع بداية تناقص إنتاج البترول العالمي فمن المتوقع حدوث العديد من التداعيات الإقتصادية و الاجتماعية العالمية والتي ستؤثر على الدول و الأفراد على السواء.


الآثار الإقتصادية العامة
تبدء الآثار الإقتصادية بحقيقة أنه بعد أن يبلغ الإنتاج ذروته و يبدء في التناقص لن يعود هناك بترول كافي لتلبية إحتياج العالم المتزايد منه لتحقيق النمو الإقتصادي المنشود ، و بالتالي فإننا نستطيع تصور تتابع بعض الأحداث على المستوى الإقتصادي تبدء بإرتفاع مستمر في سعر برميل البترول يتبعه إرتفاع في أسعار وقود السيارات و الطائرات و السفن وزيادة مستمرة في أسعار المواد الغذائية و زيادة أسعر الأسمدة الزراعية المعتمدة على صناعة البتروكيماويات و بالتالي تفاقم زيادة أسعار الإنتاج الزراعي ، تراجع في عدد المسافرين بالطائرات و تراجع المكاسب في المجال السياحة ، و زيادة مستمرة في تكلفة تشغيل المصانع مما قد يؤدي إلى غلق بعضها و تسريح عمالها و من ثم تراجع معدل النمو الإقتصادي و الدخول في مرحلة كساد عالمي.
إن توقع التطورات الإقتصادية لبلوغ إنتاج البترول ذروته ليس من السهولة بحيث يمكن إختصارها في كلمتين وهي"كساد إقتصادي" ، هناك ديناميكية في التفاعل بين مختلف العوامل ، فعل سبيل المثال أن بداية تناقص البترول و ما سيتبعه من كساد إقتصادي سيؤدي إلى إنخفاض في النشاط الإقتصادي العالمي ، فيقل الطلب على البترول نسبيا ، فتنخفض أسعاره بشكل ما وإن كانت لن تعود لمستوياتها الأولى ، و سيؤدي ذلك الإنخفاض في إستهلاك البترول إلى أن يكون منحنى هابرت أكثر ثباتا عند نقطة ذروته العليا ، و ربما يشجع ذلك بعض الدول و المستثمرين على العودة لتنمية النشاط الإقتصادي مرة أخرى و ما إن تبدء العجلة في الدوران مرة أخرى حتى ندخل في نفس الدوامة مرة أخرى ، زيادة كبيرة في أسعار البترول ، فهبوط إقتصادي آخر ، فنقص في الطلب على البترول فتراجع أسعاره مرة أخرى ليستقر على مستوى أعلى من فترة الإستقرار السابقة ، ربما يتكرر ذلك عدة مرات حتى يدرك العالم كله أنه لا مناص إلا من مواجهة الوضع الجديد بشكل مختلف.
المواصلات
إن ما سيحدث في هذا مجال المواصلات سيلقي بظلاله على باقي مناحي الحياة ، و كما أن تناقص إنتاج البترول بعد الذروة سيكون تدريجيا ً ، فإن إرتفاع سعر الوقود سيكون أيضا تدريجيا ، فبالنسبة لأصحاب السيارات فإن ذلك سيكون ملموسا ً في كل مرة يقوم فيها صاحب السيارة بتموينها بالوقود ، و بالنسبة لمستخدمي وسائل المواصلات التي تعمل بالبنزين أو السولار مثل الأوتوبيسات أو الميكروباصات سيلاحظون ازدياد في سعر خدمة النقل ، وفي كلا الحالتين قد تكون الزيادة في السنوات الأولى بعد الذروة مما يمكن أن تمتصه قدرة المواطن المادية و لكن بشئ من الضيق ، وقد يبدأ في التنازل شيئا ً فشيئا ً عن بعض رفاهيات الحياة ، وقد يمتد التأثير لدرجة إستبدال السيارة الكبيرة بنوع أصغر يكون معدل إستهلاكها من البنزين أقل ، و لكن مع مرور السنوات وبعد أن يكون الإنسان قد تنازل عن كثير من الرفاهيات تبدأ الاختيارات الصعبة في الحياة ، فمثلا إذا كان من سكان الضواحي البعيدة و يعمل في وسط المدينة فقد يضطر أن يبيع مسكنه الذي اعتاد عليه في بيئة اقل تلوثا و ضوضاء ً ليسكن في وسط المدينة ، و ربما آخر من سكان المدينة يضطر إلى الاستغناء عن سيارته تماما ليستخدم وسائل المواصلات العادية.
بالنسبة لمجال السفر بالطائرات فمن المتوقع أيضا أن تزداد تدريجيا ً أسعار تذاكر السفر و تقل قدرة الإنسان على الانتقال عبر الدول ، و أقل الناس قدرة مادية سيكونون أول من يستغنى عن الطائرة و قد يستبدلها بالقطار الذي يعمل بالكهرباء كلما أمكن ، و مع مرور السنوات و استمرار التصاعد المستمر في سعر الوقود وبالتالي تناقص عدد المسافرين بالطائرة فربما تعلن بعض شركات الطيران تصفية أعمالها بعد أن تصبح صناعة النقل الجوي غير مجدية اقتصاديا.

الزراعة
مع إرتفاع أسعار الوقود سيصبح إستخدام الجرارات الآلية أكثر كلفة و سيؤثر ذلك مباشرة على سعر الحصيلة الزراعية و الذي سيرتد مباشرة على سعر الطعام الذي يشتريه المستهلك ، و سيستمر الأمر كذلك في السنوات الأولى بعد ذروة البترول ، ولكن مع تناقص وجود البترول كلية قد يضطر الفلاح إلى الإستغناء عن الجرار الآلي و الذي سيتحول إلى قطعة من الحديد ليس أكثر، و يعود الفلاح خطوة إلى الوراء ليستخدم نفس أساليب أجداده في الزراعة ، سيعود ليسوق الثور أمامه في عملية عزق الأرض و سيجني المحصول بيديه ، سيؤدي ذلك إلى العودة إلى معدلات الإنتاج الزراعي التي ألفها الإنسان في بداية القرن العشرين وما قبلها ، سيقل الإنتاج الزراعي و لن يصبح كافيا لإطعام الستة ملايين إنسان الذي يعيشون الآن على سطح الأرض.

السياحة
تشكل السياحة الخارجية أحد أهم مصادر الدخل القومي للعديد من الدول ، وحيث أن هذا النوع من السياحة يعتمد في الأساس على قدرة المواطن على توفير فائض مادي خلال العام لإنفاقه في تمضية أجازة في بلد آخر فإنه مع تزايد الأعباء المالية على أفراد العالم ككل ستتضاءل قدرتهم بشكل عام على توفيرالمال اللازم للسياحة ، ستجبرهم أولويات الحياة على إنفاق المال في ما هو ضروري ، و نتيجة لذلك ومع تزايد أسعار تذاكر السفر سيقل عدد الأفراد الذين لهم القدرة على توفير نفقات السفر ، وبالتالي ينخفض دخل تلك الدول التي تعتمد على السياحة ، و حيث أن السائحين ينفقون أموالهم مباشرة في الفنادق و المطاعم وأسواق الهدايا و شركات السياحة ووكلاء شركات الطيران فإن تلك القطاعات سوف تتأثر مباشرة نتيجة لذلك ، ومع مرور الوقت و تصاعد الأزمة سيضطر بعضها للإغلاق عندما تنعدم الجدوى الإقتصادية للمشروع و بالتالي يتضرر العاملون في تلك الأماكن.

العولمة
و حيث أن التأثيرات لا يمكن فصل بعضها عن بعض فإنه ستنشأ مشاكل على مستوى التجارة العالمية ، إنه مع تقدم وسائل المواصلات و الإتصالات كما شرحنا آنفـا نشأ ما عـُرف حديثا بالعولمة بشقيها الإقتصادي و الثقافي ، حيث يظهر الشق الأول منها في سهولة إنتقال رؤوس الأموال و التكنولوجيا من دولة إلى أخرى (من الولايات المتحدة الأمريكية إلى الصين مثلا) و من منطقة جغرافية إلى أخرى (من الغرب إلى جنوب شرق آسيا) لإستغلال فرص إقتصادية و تحقيق عائد مادي كبير ، وذلك عن طريق تصنيع منتجات عالية الجودة بسعر رخيص و من ثم تصديرها إلى مختلف دول العالم ، و يظهر شقها الثاني في إنتشار ثقافات معينه على حساب غيرها من الثقافات مستغلة وسائل إتصالات كالقنوات الفضائية و شبكة الإنترنت حتى إختفت للأسف الفروق بين ثقافات الدول و الأمم المختلفة و التي كانت تثري العالم ، و كما ذكرنا كيف أنه في عصر ما بعد ذروة البترول فإن قدرة العالم على الإتصال الحيوي ستنخفض بينما ستستمر قدرته على الإتصال المعلوماتي ، فتبعا لذلك سيتأثر مفهوم العولمة كما عرفه العالم كثيرا حيث ستنخفض شدة العولمة الإقتصادية في ظل تفكك العالم العضوي و تناقص قدرته على نقل الأشخاص و السلع بينما ستستمر العولمة الثقافية في طريقها للتقرب بين ثقافات الأمم.

هل هي إرهاصات التحول؟

هناك العديد من الدلائل العملية و التي من الممكن رصدها على المستوى الدولي و التي تشير أننا فعلا ً على وشك أن نمر بسنة الذروة في إنتاج البترول في تطابق مع نتائج النماذج الرياضية ، و قد بدأت العديد من إنذارات الخطر بالدق على الأبواب ، وهنا نقوم برصد بعض تلك الظواهر الهامة.

زيادة سعر البترول
في 11 إبريل 2005 قررت مجموعة الأوبك زيادة السعر المستهدف لبترول المجموعة ليصبح 50 دولارا ً للبرميل بدلا ً من 28 دولارا ً ، و الآن في نوفمبر 2007 م أرتفع سعر برميل البترول ليتجاوز التسعين دولارا و ربما يكون قد وصل إلى سعر مائة دولار عند طبع هذه القالة ، إن المتابع لسعر البترول منذ نهاية القرن العشرين وحتى الآن لا يخطئ التصاعد الأسي في سعر البترول بشكل ملفت و في فترة قصيرة .
لقد أصبح من الواضح أن إمكانية دول الأوبك على زيادة الإنتاج فجأه لسد أي نقص مفاجئ في إنتاج البترول العالمي صارت محدوده للغاية ، إن بلوغ إنتاج البترول من معظم دول العالم لذروته بل تناقصة منذ عدة سنوات يضع عقبة كبيرة أمام قدرة دول الأوبك للسيطرة على الأسعار حيث أصبح همهم الأساسي هو محاولة سد ذلك العجز في الإنتاج و ليس ضخ المزيد من البترول لتلبية رغبات النمو الإقتصادي الدولي.

زيادة سعر الغذاء
هناك اهتمام كبير بإستخدام الوقود الحيوي لإنتاج الإيثانول خاصة من الذرة ، ففي الولايات المتحدة الأمريكية تم تحويل 16 % من إنتاج الحبوب في عام 2006 م لإنتاج الوقود ، ويوجد حاليا 18 محطة تكرير للإيثانول تحت الإنشاء ، و من المتوقع أنه في عام 2008 م سيتم إستخدام ثلث إنتاج الحبوب في الولايات المتحدة الأمريكية لإنتاج الإيثانول [24] ، وفي بداية عام 2007 م و أثناء زيارة الرئيس الأمريكي للأرجنتني تم عقد صفقة قامت خلالها الولايات المتحدة الأمريكية بشراء محصول كبير من إنتاج الأرجنتين من الذرة و ذلك لتحويله إلى إيثانول مما كان له تأثير عميق على تجارة الذرة والحبوب عموما عالميا خلال العام.
فقد أرتفعت أسعار كل من الذرة و القمح لأعلى مستوى في العشر سنين السابقة ، و في المكسيك التي تعتمد على الذرة أرتفع سعر الخبز المصنوع منه بنسبة 60 % مما أدى لخروج مظاهرات كبيرة للمطالبة بالسيطرة على سعره ، كذلك إرتفع سعر الفول الصويا بنسبة 50 % و هو عنصر أساسي في تربية الدواجن و الماشية ، وفي الصين مثلا أرتفع سعر البيض بنسبة 16 % واللحوم بنسبة 6 % ، و في الهند أرتفع سعر القمح بنسبة 11 % وهو غذاء أساسي لملايين من البشر هناك ، و في الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت وزارة الزراعة أن سعر الدواجن في عام 2007 م سيرتفع بنسبة 10 % مقارنة بعام 2006 م وكذلك البيض بنسبة 21 % و اللبن بنسبة 14 % [24].
أوروبيا ، ففي جريدة الفاينانشيال تايمز بتاريخ 28 سبتمبر 2007 م و في الصفحة العاشرة تذكر لنا مقالة كيف أن الإتحاد الأوروبي أخيرا أتخذ خطوتين إيجابيتين لزيادة إنتاج الحبوب في أوروبا و لإزالة التعريفات الجمركية على السيريال و هو في ذلك يتفاعل مع عوامل دولية أدت إلى إرتفاع غير مسبوق في أسعار الحبوب و السريال ، حيث أرتفع سعر القمح و وصل لأرقام قياسية جديدة بعد أن وصل المخزون العالمي منه لأقل قيمة في الثلاثين عاما الماضية ، و كذلك تراجع المخزون الأوروبي من السيريال من 14 مليون طن في منتصف عام 2006 م إلى واحد مليون طن فقط في سبتمبر 2007 م ، و تلخص المقاله كل ذلك في جملة واحدة عندما تقول " أن خطوات الإتحاد الأوربي تبشر بأخبار سيئة و هو أن العالم ينتقل من مرحلة كانت فيها إمدادات الغذاء وفيرة إلى عالم تكون فيه تلك الإمدادات نادرة ".

زيادة تسعيرة الطاقة على بعض المصانع في مصر
في مؤتمر صحفي في 14 أغسطس 2007 لوزير الصناعة و التجارة المصري رشيد محمد رشيد أعلن فيه زيادة تسعيرة الغاز الطبيعي (بنسبة 110 %) و الكهرباء (بنسبة 61 %) تدريجيا على مدار ثلاث سنوات على المصانع ذات الإستهلاك العالي للطاقة وعددها 40 مصنع في مجال الحديد و الصلب و الألومنيوم و الأسمنت و الأسمدة ، و تم أختيار تلك المصانع لأنها تستوعب عمالة قليلة نسبيا و في المقابل تستهلك طاقة عالية للغاية ، السياسة العامة للوزراة هي تشجيع أكثر للمصانع و الشركات الصغيرة و المتوسطة و التي تشغل عمالة كبيرة نسبيا مع إستهلاك قليل نسبيا للطاقة.

كوريا الشمالية تجمد جزء من سلاحها الجوي
في 28 أكتوبر 2007 أعلنت كوريا الشمالية عن تجميد 300 طائرة من نوع AN-2 و هي طائرات نقل حربية و ذلك لإرتفاع أسعار البترول وعدم قدرتها على شرائة ، و كوريا الشمالية ليس لديها موارد بترولية و تعتمد على الصين لسد حاجاتها منه ، و حقيقة لا أدري إن كانت كوريا الشمالية تشتري البترول من الصين أم أنها كانت تحصل عليه منها كنوع من المساعدات الإقتصادية المجانية نتيجة تحالف سياسي و إيديولوجي قديم ، من المحتمل جدا نتيجة الإحتياج الصيني الكبير من البترول و تصاعد سعره عالميا أن وجدت الصين نفسها غير قادرة على تقديم مثل تلك المساعدات المجانية.
من المفهوم أن نرى تلك القرارات تصدرها بعض أفقر الدول ، و من المتوقع أيضا أنه مع تواصل إرتفاع أسعار البترول دوليا ستتزايد الدول التي ستتنازل عن الكثير من إمكانياتها سواء عسكرية أو إقتصادية و من المفهوم أيضا أن الإتجاه سينسحب من الدول الأفقر إلى الدول الأغنى شيئا فشيئا.


المراجع:

تعديل الرسالة…

اترك تعليقك على الموضوع