ذروة إنتاج البترول: ليست نظرية ولكن حقيقة

الأربعاء, أكتوبر 31, 2012, مرسلة بواسطة Unknown

إنتهينا في الحلقة السابقة بثلاث أرقام هامة: معدل الإنتاج العالمي من البترول (وهو نفسه معدل الإستهلاك) و يقدر بـحوالي 30 بليون برميل ، حجم الإنتاج العالمي منذ بداية إستخراج البترول و يقدر بـحوالي 1103 بليون برميل ، وحجم المخزون و يقدر بـحوالي 1275 بليون برميل ، و كل تلك الأرقام مقدرة حسب إحصائيات عام 2006 م.

متى سيفنى المخزون العالمي من البترول ؟

هناك أسلوبين يستخدمان لحساب كم هو عدد السنين المتبقي قبل أن ينفذ البترول ، أول تلك الطرق نسمع عنها كثيرا ً في وسائل الإعلام وهي طريقة سهلة للغاية ، حيث نقسم قيمة المخزون العالمي من البترول على معدل الإستهلاك السنوي فينتج عدد السنين اللازمة لإستهلاك ذلك المخزون ، و بتطبيق تلك العلاقة على رقمي المخزون العالمي و الإستهلاك السنوي لوجدنا أن هذا المخزون سيفنى بعد 43 عاما تقريباً ، ولكن هذه الطريقة خاطئة في الحساب للأسباب التالية:
أنها لا تأخذ في الإعتبار أن معدل الإستهلاك يتغير كل عام ، وعادة يزداد ذلك المعدل من عام لآخر.
ما هو أهم حقيقة ً من ذلك هو أن هذه الطريقة في الحساب تفترض خطأ ً أن عملية إستخراج آخر برميل بترول ستتم بنفس سهولة و تكلفة إستخراج أول برميل و هذا علميا ً و عمليا ً غير صحيح.

أما الأسلوب الثاني لمعرفة متى يفنى البترول فكان أول من قام بذلك هو الخبير البترولي كينج هابرت حيث كان يعمل رئيس المستشارين لقسم الإكتشافات و الإنتاج لشركة شل و قد قام بتقديم ورقة بحثية في مؤتمر منعقد في الفترة 7 - 9 مارس 1956 بتكساس و كانت بعنوان "الطاقة النووية و الوقود الأرضي القديم".


وفي تلك الورقة عرض هابرت كيف أن تغير الإنتاج مع الزمن من أي مجموعة آبار بترولية كثيرة متجاورة في مكان واحد يتبع شكل منحنى الجرس كما هو موضح في الشكل رقم (6) ، أي أن الإنتاجية ستزيد في المراحل الأولى من عمر البئر حتى تصل إلى قيمة عظمى ثم تبدء بعد ذلك الإنتاجية في التناقص حتى يتم إستنزاف كل البترول ، و لهذا المنحنى المتعلق بإنتاجية البترول عدة خصائص:


Figure 6

شكل رقم (6): الشكل العام لكيفية تطور إنتاج البترول مع الزمن من أي مجموعة آبار متجاورة.

أولا: أن منحنى فناء البترول (يسمى منحنى هابرت) له نقطة الذروة ، و عندما يصل إنتاج البترول إلى قيمته العظمى يكون نصف حجم البترول قد إستُنِزف تقريبا و باقي النصف الآخر داخل الآبار لم يتم إستخراجه بعد.
ثانيا: أن هذا المنحنى ينطبق أيضا ًعلى مجموع إنتاجية أي دولة منفردة و كذلك ينطبق على الإنتاج العالمي من البترول.
رابعا: لا يشترط أن يكون المنحنى متماثل كما هو موضح بالشكل و لكن قد يفقد تلك التماثلية بعض الشئ و ذلك حسب طبيعة الإنتاج و عدد الآبار و حجمها ، و لكن يبقى الإتجاه العام للمنحنى سليما.

و قد تنبأ كينج هابرت في تلك الورقة العلمية المنشورة سنة 1956 بأن الإنتاج الأمريكي من البترول سيصل إلى ذروته في إوائل السبعينات من القرن العشرين ، و قد صدقت حساباته و بالفعل ففي سنة 1971 بلغ الإنتاج الأمريكي ذروته كما هو موضح بالشكل رقم (7).

Figure 7
شكل رقم (7): تاريخ الإنتاج الأمريكي خلال الفترة من 1930 م حتى 2003 م و واضح أن الإنتاج الأمريكي
وصل إلى ذروته في عام 1971م كما توقع كينج هابرت قبل ذلك بخمسة عشر عاما [9].

بلا شك أنه بعد هذا التطابق بين توقعات هابرت المسبقة و القياسات الفعلية للإنتاج الأمريكي اللاحقة لاقت نظريته إهتماما كبيرا في الأوساط العلمية و الجيولوجية و السياسية أيضا ، وأصبحت توقعات ذروة إنتاج الدول من الأشياء الأساسية ، و بمتابعة إنتاج دول العالم المختلفة من البترول ، نجد أن منحنى هابرت ينطبق عليها كلها ، و أضرب هنا مثالين هما إنتاج النرويج في الشكل رقم (8) و مصر في الشكل رقم (9).
Figure 8
شكل رقم (8): إنتاج النرويج من بترول بحر الشمال منذ بداية الإنتاج في سبعينيات القرن العشرين و حتى عام 2003 م و التوقعات حتى عام 2080 م [9].

Figure 9
شكل رقم (9) إنتاج البترول في مصر منذ عام 1965 م حتى عام 2006 م [11].

من الحقائق المبينة في الإحصائيات الآن أن 58 دولة قد تجاوزت ذروة إنتاج البترول بالفعل و لم يبق إلا دول الأوبك و دول الإتحاد السوفيتي المنحله ، ومما يزيد الأمر خطورة أن إنتاجية آبارا عملاقة هامة مثل بئر البرجان في الكويت وهو ثاني أكبر بئر في العالم و بئر كانتاريل في المكسيك في تناقص.
إننا إذا نظرنا بشكل أوسع على العالم كله و قمنا برسم إنتاج جميع دول العالم من البترول ماعدا دول الأوبك و دول الأتحاد السوفيتي المنحله مضافه بعضها فوق بعض كما في الشكل رقم (10) [11] سيتضح لنا من آخر منحنى علوي أن هذا المجموع قد إستقر تقريبا منذ عام 2000 م ، أي زيادة جديدة في الطلب العالمي يجب أن تسدها دول الأوبك أو الأتحاد السوفيتي المنحله.

Figure 10
شكل رقم (10): إنتاج البترول من كل دول العالم ما عدا دول الأوبك و دول الأتحاد السوفيتي المنحل [8].

و الآن إذا تذكرنا أن البشرية قد أستهلكت حتى عام 2006 حوالي 1103 بليون برميل ، و أن الإحتياطي المتبقي يقدر بحوالي 1275 بليون برميل ، و أن البشرية تستهلك بإحصائيات عام 2006 حوالي 30 بليون برميل في العام ، فإن ذلك يعني أنه في غضون سنوات قليلة تعد على أصابع اليد الواحدة ستكون البشرية قد أستهلكت نصف البترول الذي كان موجودا ً في الإرض ، و أن حجم البترول المتبقي سيساوي حجم البترول الذي أستهلك ، مما يعني أن منحنى الإنتاج سيكون قد وصل إلى ذروته و أنه سيأخذ في الهبوط بعد ذلك.
و بالفعل فإن النماذج الرياضية المستخدمة الآن بناء ً على المعلومات المتاحة عن حجم الإنتاج و الإحتياطي من البترول تتنبأ بأن الإنتاج العالمي من البترول سوف يصل إلى ذروته خلال عدة سنوات قليلة ، و الجدول رقم (4) يرصد أحد عشر دراسة مختلفة بأسماء أصحابها و بما توصلت إليه الدراسة من تحديد سنة الذروة للبترول العالمي.

جدول رقم (4): دراسات مختلفة لتحديد سنة ذروة إنتاج البترول العالمي.

و الشكل رقم (11) يوضح نتائج دراسة أجرتها "هيئة دراسة ذروة البترول" حيث توضح تغير أنتاجية البترول منذ عام 1930 م و التوقعات حتى عام 2050 م [11].
Figure 11
شكل رقم (11): نتيجة دراسة "هيئة دراسة ذروة البترول" عن توقع ذروة إنتاج البترول العالمي [11].

تتفق هذه الدراسات كلها في أن لإنتاج البترول العالمي سنة ذروة لا محالة ، هذه حقيقة علمية لا يمكن إنكارها ، وأنه برغم تطور التكنولوجيا المتوقع في المستقبل فإننا لن يمكننا أن نغير تلك الحقيقة ، و إن إختلفت تلك الدراسات في تحديد سنة الذروة و ذلك لتباين آرائهم في تحديد حجم الإحتياطي العالمي من البترول فإن إبعد تلك التقديرات يضعها في نهاية العقد القادم و هذا يعتبر قريبا جدا و لا يعطي البشرية الوقت اللآزم للتعامل مع هذا الخطر القادم.
 

المراجع:

تعديل الرسالة…

اترك تعليقك على الموضوع